- Get link
- X
- Other Apps
وقف المسار الانتخابي ... البذور الأولى للأزمة الدموية في الجزائر
المسيرات الاولى لقيادات الفيس المنحل
خاضت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانتخابات التّشريعية الوحيدة التي عرفتها
الجزائر آنذاك وكان ذلك يوم 26 ديسمعية بر 1991،
وفازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا ساحقا في الجولة الأولى
بـ188 مقعدا من أصل 340 مقعد في المجلس الشعبي الوطني
(أصبح العدد الآن 389).
الانتخابات التشريعية الأولى:
وجاء في المركز الثاني حزب جبهة القوى الاشتراكية بـ25 مقعدا
ثم جبهة التحرير الوطني بـ16 مقعدا، وهذا الذي أثار حفيظة القوى الغربية
والقوى العميلة التي تتشدق بالديمقراطية والحرية، إذ أبت أن يحقق الإسلاميون
هذا الفوز الذي ربما ينقل الجزائر نقلة أخرى تقترب فيها أشد الاقتراب من
أمتها العربية والإسلامية، فأمرت تلك القوة بإلغاء الانتخابات وصادرت خيار
الشعب يوم 11 يناير 1992.
"أيّها الإخوة، أيّتها الأخوات ، أيها المواطنون لا شكّ أنكم تعلمون بأنني
لم أكن راغبا في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية غداة وفاة الرئيس الراحل
هواري بومدين، وما قبولي بالترشح إلا نزولا عند رغبة وإلحاح رفقائي
ويومها لم أكن أجهل بأنّها مسؤولية ثقيلة وشرف عظيم في آن واحد،
ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول القيام بمهامي بكل ما يمليه علىّ ضميري وواجبي،
وكانت قناعتي أنّه يتعيّن عليّ تمكين الشعب الجزائري من الوسيلة التي يعبّر
بواسطتها عن كامل إرادته لاسيما وأنّ هذا الشعب سبق له وأن دفع ثمنا باهظا
من أجل استرجاع مكانته على الساحة الدولية، لذا فبمجرّد أن تهيّأت الظروف
عملت على فتح المسار الديموقراطي الضروري لتكملة مكتسبات الثورة التحريرية
استقالة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد:
بعد هذه النتيجة غير المتوقعة استعدّت المؤسسة العسكرية لمصادرتها
وحرّكت فيلقها السياسي قبل العسكري، وتحركت جبهات اليسار والبربر
والفرانكفونيين وطالبت بإلغاء الانتخابات، كما طالبوا الجيش الجزائري بالتدخل.
في هذه الأثناء اعتقد الشارع الجزائري أن الانتخابات ستتواصل وأن الدورة الثانية
ستجرى في موعدها في جانفي 1992، وكانت المفاجأة الكبرى عندما قدمّ الرئيس
الجزائري استقالته تاركا الجزائر تغرق في أتون فتنة يطيش لها قلب الحليم وعقله،
وقد جاء في كلمة استقالته ما يلي:
وها نحن اليوم نعيش ممارسة ديمقراطية تعددية تتسم بتجاوزات كثيرة وسط محيط
تطبعه تيارات جدّ متصارعة، وهكذا فإنّ الإجراءات المتخذة والمناهج المُطَالَبُ
باستعمالها لتسوية مشاكلنا قد بلغت اليوم حدّا لا يمكن تجاوزه دون المساس
الخطير والوشيك بالانسجام الوطني والحفاظ على النظام العام والوحدة الوطنية،
وأمام حجم هذا الخطر الداهم فإنني أعتبر في قرارة نفسي وضميري بأنّ المبادرات
المُتَخَذَة ليس بإمكانها ضمان السلم والوفاق بين المواطنين في الوقت الراهن.
وأمام هذه المستجدات الخطيرة فكرت طويلا في الوضع المتأزّم والحلول الممكنة
وكانت النتيجة الوحيدة التي توصلت إليها هي أنّه لا يمكنني الاستمرار في الممارسة
الكليّة لمهامي دون الإخلال بالعهد المقدّس الذي عاهدت به الأمة، ووعيا مني
بمسؤولياتي في هذا الظرف التاريخي الذي يجتازه وطننا فإنني أعتبر أنّ الحل
الوحيد للأزمة الحالية يكمن في ضرورة انسحابي من الساحة السياسية.
ولهذا أيّها الإخوة، أيتها الأخوات، أيها المواطنون، فإنني ابتداء من اليوم أتخلى
عن مهام رئيس الجمهورية، وأطلب من كل واحد ومن الجميع اعتبار هذا القرار تضحية
مني في سبيل المصلحة العليا للأمة.
تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا".
الشاذلي بن جديد بتاريخ: 11 جانفي 1992.
وفي ظرف خمس دقائق قَبِل المجلس الدستوري برئاسة بن حبيلس استقالة
أو إقالة الشاذلي بن جديد وبثَّ التلفزيون الجزائري نص الاستقالة في الثامنة ليلا.
وبعدها بساعتين وجّه رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي خطابا متلفزا للشعب الجزائري،
هذا نصّه:
باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أيّها المواطنون،
أيتها المواطنات، سمعتم جميعا نص الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى الأمة
مساء هذا اليوم والتي أعلن فيها عن تقديم استقالته، وكما علمتم أيضا فإنّ المجلس
الدستوري قد عقد اجتماعه القانوني وأثبت رسميا الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية،
ونتجت عن ذلك حالة لم يسبق للجزائر أن عرفت لها مثيلا، وهي حالة تقوم المؤسسات
الدستورية بمعالجة جوانبها المختلفة حسب ما تنص عليه قوانين البلاد.
وفيما يتعلق بالحكومة فإنّ الدستور ينصّ على أنّها مطالبة بمواصلة القيام بالمهام العادية
المنوطة بها في جميع الميادين المتصلة بتسيير شؤون البلاد.
وعليّ في هذا الإطار أن أؤكد أيها المواطنون، أيتها المواطنات، أنّ الحكومة تضع في
مقدمة أولوياتها الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، لذا فإني مباشرة بعد أن وصلني
خبر استقالة رئيس الجمهورية طلبت من الجيش الوطني الشعبي أن يتخذّ بصورة وقائية
الإجراءات اللازمة من أجل المساهمة في حماية الأمن العمومي وأمن المواطنين وذلك عملا
بالقانون 91-488. أيها المواطنون، أيتها المواطنات، تأتي استقالة رئيس الجمهورية في
الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد وإني أتوجه إليكم جميعا طالبا من كل واحد منكم أن
يتحلى بروح المسؤولية، وأن يحافظ على الهدوء وأن يؤدي مهامه العادية في الإطار والمنصب
حيث يوجد، ولن يفوتني وأنا أتوجه إلى الضباط وضباط الصف والجنود في جيشنا الوطني
الشعبي أن أؤكد ما سبق لي أن قلته في تصريح يوم 05 جوان 1991 وفي تصريحات أخرى
أنّ هذا الجيش قد أثبت بالفعل والممارسة أنّه سليل جيش التحرير الوطني وأنّه يمثل مكسبا
عظيما لهذه الأمة، فهو يمناها العتيدة والأمينة في الحفاظ على سيادتها وعلى وحدتها وعلى
ثوابتها بما في ذلك دينها الحنيف وعلى حماية أهلها وسلامتهم.
وكذلك أوجّه تحية خاصة ونداءً حثيثا إلى رجال الأمن وأسرة الوظيف العمومي وإلى جميع
من يعمل في القطاعات الحيوية في البلاد مناشدا إياهم أن يرفعوا مجهوداتهم إلى مستوى
التحدي الذي لابدّ من مواجهته صفا واحدا وبمنتهى الجدية والصرامة.وعلينا جميعا أن نتزوّد
بما يتطلبه هذا الظرف من يقظة وتبصر ووعي وروح وطنية وتضامن وتسامح،
وفقنا الله جميعا إلى ما فيه خير الشعب والوطن«.
رواية خالد نزار لحيثيات الاستقالة وإلغاء الانتخابات:
ويروي الجنرال المتقاعد خالد نزار حيثيات قرار إلغاء الانتخابات واستقالة الرئيس الشاذلي
بن جديد في كتابه »الجزائر إيقاف تقهقر مبرمج«،
يقول: »إن فوز الإنقاذ (في الدور الأول) زرع الهلع في الرأي العام، خاصة بعد التصريحات
التهديدية لقادتها، فتحركت جمعيات المجتمع المدني بالتزامن مع مظاهرات جبهة القوى
الاشتراكية التي ساندها الجيش الذي دعا المجتمع المدني والمجاهدين (القدامى) والأحزاب
الديمقراطية والمنظمات الجماهيرية إلى التحرك، وفي 30 ديسمبر اتخذ الجيش قراره بالتحرك
للحيلولة دون حصول الإنقاذ على الأغلبية المطلقة في البرلمان، خاصة أنها رفعت شعار »
الدولة الإسلامية بالصندوق أو بالبندقية«.. البلاد كانت على حافة حرب أهلية، توقيف المسار
الانتخابي ـ يضيف نزار ـ لم يكن بالنسبة لنا أمرا سهلا إطلاقا، لكنه كان الحل الوحيد لإنقاذ
الديمقراطية الفتية والدولة، أعلمنا مسبقا أغلب قيادات الدول المتوسطية بقرارنا، باستثناء
الرئيس الفرنسي كونه يتفهم طروحات جبهة الإنقاذ، ولما اتفق العسكريون والمدنيون على
رحيل بن جديد، حرَّر الجنرال محمد تواتي وعلي هارون رسالة الاستقالة التي سيقرأها الشاذلي
على التلفزيون، وقد قُدمت له مسبقا كاقتراح فقبلها، ولعب المجلس الدستوري الدور الكبير لأننا
أردنا ـ يقول نزار ـ أن يبقى تحركنا في إطار القانون« وقال أيضا في مذكراته »كان وقف
المسار الانتخابي في نظرنا قرار أخلاق سياسية، وكان بالنسبة لنا علاجا لمرض يكاد يكون فتاكا
بالجزائر، ومن خلال التحليل الذي قمنا به للوضعية التي خلقتها ممارسات جبهة الإنقاذ لم يكن الأمر
يتعلّق من وجهة نظرنا وبأيّ حال من الأحوال بتفضيل سياسة الكل أمني«.. هذا وقد رَدَّ الجنرال
المتقاعد في أفريل من سنة 2001 على سؤال لصحيفة فرنسية إن كان نادماً على اتخاذ قرار توقيف
المسار الانتخابي وإبعاد الشاذلي من الحكم فقال: »أبداً! ولو اقتضى الأمر أن أعيد الكرة لفعلت،
كنا مستعدين لقبول أن تحصل الجبهة الإسلامية للإنقاذ على 30٪ من المقاعد في البرلمان،
لكن أن يحصلوا على 70٪ منذ الدور الأول وبالتزوير فهذا كان معناه حكم الطالبان في الجزائر«.
ولم يكتف أصحاب القرار في ذلك الحين بإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية بل وصل بهم الأمر إلى
تسليم كلّ البلديات التي كانت تابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ لرؤساء بلديات معيّنين من قِبَل
الجهات العليا ودون المرور بالانتخابات، واتخذ النظام الذي ألغى الانتخابات عندها قرار حل
الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مارس 1992، غير أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لا تعترف بهذا القرار
وتعتبره تعسفيا وتعتبر أن النظام الذي اتخذه نظاما مستبدّا وغير شرعي.
وقبل إلغاء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 ديسمبر
وقعت بعض الأحداث المهمّة في تاريخ الجزائر ونحن نذكرها باختصار من يوم فوز
الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية.
4 يناير 1992: حلّ الرئيس الشاذلي بن جديد المجلس الشعبي الوطني.
11 يناير 1992: استقال الشاذلي بن جديد من الرئاسة تحت ضغط القيادة العسكرية.
12 يناير 1992: ألغى الجيش نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية.
16 يناير 1992: أُعلن عن خلوّ منصب رئيس المجلس الوطني الشعبي الذي كان
يتولاّه عبد العزيز بلخادم الذي كان من المفروض أن يتولّى رئاسة الجمهورية بصورة
مؤقتة بحسب الدستور إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد، وتولت القيادة الهيئة الوحيدة
المشار إليها في الدستور وهي المجلس الأعلى للأمن الذي قام باستحضار محمد بوضياف
((2 أحد القيادات التاريخية للثورة الجزائرية من محل إقامته في المغرب ليترأس لجنة دولة،
سميت فيما بعد بالمجلس الأعلى للدولة.
فبراير 1992: أصدر المجلس الأعلى الدولة مرسوما بإنشاء المجلس الاستشاري الوطني
كبديل للسلطة التشريعية المحلة، وعين أعضاؤه (60 عضوا) بمرسوم رئاسي ولهم دور
استشاري فقط، وزادت الاشتباكات بين مؤيدي الجبهة الإسلامية للإنقاذ والقوى الأمنية
وأُعلن قانون الطوارئ ورَفَضت جبهة التحرير الوطني ما حدث واعتبرته أمرا غير شرعي.
مارس 1992: حظرت السلطات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحلّت كلّ المجالس المحلية التابعة لها.
قام النظام الجزائري بحملة واسعة لقمع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في بداية سنة 1992 ليَضَعَ
حدًا لانْدِفاعها الكبير، وركّز في حربه على قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لأنها كانت ببساطة
معروفة لديه، وكان الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج أول المستهدفين، تلاهما عبد القادر
حشاني رحمه الله في يناير 1992، مع جماعة من مساعديه أي المنتمين لتيار الجزأرة،
ثم اتسعت الاعتقالات لتشمل كل النواب والإطارات المحلية التي فازت في الانتخابات السابقة،
واعتمدت أجهزة الأمن على القوائم المعلنة، وفتحت معاقل الصحراء، وأُخذ الناس إليها جوّا وبرَّا،
فكانت النتيجة عكس ما كانت تنتظره السلطات الجزائرية حيث برزت على السطح فجأة وبدون سابق
إنذار نخب أخرى غير معروفة أصبحت الفاعل الأساسي في عمليات العنف التي حدثت في البلاد.
الهوامش
1 - قال أحمد طالب الإبراهيمي »إنّه حقا عمل غير مسؤول وتصرّف يثير القلق الكبير على مصير
البلاد، ونجم عن هذا التصرف: أحداث شرخ عميق في المجتمع، تولدت عنه أزمة سياسية حادّة،
واقتراب البلاد من حافة الهاوية، وسجن الآلاف من الإسلاميين في ظروف مأساوية بدون محاكمة،
ورفض الأحزاب الرئيسية الفائزة وهي: جبهة القوى الإشتراكية، وجبهة التحرير الوطني، والجبهة
الإسلامية للإنقاذ، تجميد المسار الانتخابي والاعتراف بالوضع الجديد، وتولد عن هذه الأزمة السياسية
أزمة أمنية يدفع ثمنها يوميا أبناؤنا، ومن البديهي أنّ موقفا كهذا يساعد على إحداث حالة العنف
التي تمهد لأعمال العنف، إنّني أدين بقوة أعمال العنف مهما كان مصدرها، ولكنني اعتبر عدم إدانة
حالة العنف ضربا من النفاق السياسي، لأنّ حالة العنف التي أشير إليها هي التي أحدثها إلغاء
الانتخابات، وفتح المحتشدات وتعليق الحياة الديمقراطية«. صحيفة الشرق الأوسط (20 أوت 1992)
بواسطة كتاب المعضلة الجزائرية الأزمة والحل ص97 د. أحمد طالب الإبراهيمي. دار الأمة للطباعة
والنشر والتوزيع ط. الرابعة 1999.
2 - ولد محمد بوضياف في 23 جوان 1919 بأولاد ماضي بولاية المسيلة، في سنة 1942
اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب بجيجل، انضم إلى صفوف حزب الشعب وبعدها أصبح
عضوا في المنظمة السرية، وفي 1950 حوكم غيابيا والتحق بفرنسا في 1953 حيث
أصبح عضوا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، بعد عودته إلى الجزائر ساهم في
تنظيم ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل. كان من بين أعضاء مجموعة ((22 المفجرة
للثورة التحريرية، واعتقل في حادثة اختطاف الطائرة في 22 أكتوبر 1956 من طرف
السلطات الاستعمارية التي كانت تقله ورفقاءه من المغرب إلى تونس، وفي سبتمبر 1962
أسس حزب الثورة الاشتراكية، وفي جوان 1963 تم توقيفه وسجنه في الجنوب الجزائري
لمدة ثلاثة أشهر، لينتقل بعدها للمغرب، وابتداءً من 1972 عاش متنقلا بين فرنسا والمغرب
في إطار نشاطه السياسي، إضافة إلى تنشيط مجلة الجريدة، وفي سنة 1979 بعد وفاة
الرئيس هواري بومدين، قام بحل حزب الثورة الاشتراكية وتفرغ لأعماله الصناعية، إذ كان
يسيّر مصنعا للآجر بالقنيطرة في المملكة المغربية،
وفي 14 جانفي 1992 بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد.......................................
استدعته الجزائر لينصّب رئيسا لها .................................................. ..........................
وفي 29 جوان من نفس السنة اغتيل في مدينة عنابة............................................. .......
المصدر : الشروق
Comments
Post a Comment
شكرا على اهتمامك